المدير Admin
عدد المساهمات : 100 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 05/02/2010 العمر : 35
| موضوع: بين الأم والزوجة (العلاقة الأسرية الحساسة) الثلاثاء فبراير 23, 2010 11:05 am | |
| إن المجتمع الإسلامي يقوم على أُسُس كثيرة: من أهمها الأسرة؛ إذ تُعَدُّ هذه الأخيرة ركنا في نجاح هذا المجتمع و سلامته من كثير من الشرور و الآفات؛ و لهذا أحاطتها الشريعة بمجموعة من الأحكام و الآداب، و رَفَعَت من شأن العلاقات التي تربط بين أفرادها؛ فجعلت الزواج ميثاقا غليظا، و عظَّمت حق الزوج على زوجته و حق الزوجة على زوجها، و حق الآباء على الأبناء و حق الأبناء على الآباء، و جعلت صِلة القرابة من أوْكد الصلات و أوجبها .. قال الله تعالى في الحديث القدسي : "أنا الله و أنا الرحمن خلقت الرحم و شققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته و من قطعها بَتَتُّه"(أي قطعته) [الصحيحة 520]. و إن من أهم العلاقات في النسيج الأسري و أكثرها حساسية و خطورةٍ؛ العلاقة بين الأم و كِنَّتها (زوجة ابنها)، و خطورةُ هذه العلاقة أمرٌ معلوم و مستفيض عند الجميع، و لا أعتقد أنني أكون مبالغا إن قلت بأن نسبةً عالية من حالات الطلاق يكون سببها سوء العلاقة بين أم الزوج و زوجته.
و قد تأملت كثيرا في هذا المشكل الأسري، فاهتديت إلى أن حلَّه يَكمن في مسألة، إذا وُجِدت لزِم من ذلك وجود الحل، و إذا لم توجد لم تفلح الحلول الأخرى .. و تِلكم المسألة؛ هي اعتبار الزوجة أُمَّ زوجها أُمّاً لها، و معاملتُها بناء على ذلك الاعتبار. ووجه كون هذا السلوك حلا جذريا للمشكل؛ يظهر بافتراض كون الأم ظالمة للزوجة، عازمة على الشر و الإفساد في معاملتها! و هو أسوأ ما يمكن أن يقع. فينبغي -و الحالة هذه- أن تعاملها الزوجةُ كما يعاملها ابنُها البار الرحيم لو واجهته بذلك، ومعلوم أن الواجب عليه في مثل هذا الحال؛ الصبرُ و النصحُ بالرفق، و لا يجوز له أن يحقد عليها أو يسعى للانتقام منها، بل لا يجوز له مقاطعتها. فإذا حَذَت الزوجة حذوَه؛ أفلحت، و سَدَّت كل الأبواب التي يريد الشيطان فتحَها لتشتيت الشمل و تفكيك الروابط. و غيرُ خافٍ أن هذا النوع من التعامل حثَّ عليه القرآن و نَدَب إليه الرحمن فقال سبحانه: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت 34). قال المفسرون: يقول تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أي: لا يستوي فِعل الحسنات و الطاعات لأجل رضا الله تعالى، و لا فِعل السيئات و المعاصي التي تُسخطه و لا ترضيه، و لا يستوي الإحسان إلى الخلق، و لا الإساءةُ إليهم، لا في ذاتها، و لا في وصفها، و لا في جزائها {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}، ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، و هو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: فإذا أساء إليك مُسيءٌ من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، و الأصحاب، و نحوِهم، إساءةً بالقول أو بالفعل، فقابلْه بالإحسان إليه، فإنْ قطَعَك فَصِلْهُ، و إن ظلمك، فاعف عنه، و إن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، و عامله بالقول اللين. و إن هجَرك، و ترك خطابَك، فَطيِّبْ له الكلام، و ابذُل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة: { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي: كأنه قريب شفيق. {وَمَا يُلَقَّاهَا} أي: و ما يُوفَّق لهذه الخصلة الحميدة {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} نفوسَهم على ما تَكره، و أجبروها على ما يحبه الله، فإنّ النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته و عدم العفو عنه، فكيف بالإحسان إليه؟! فإذا صبر الإنسان نفسَه، و امتثل أمرَ ربه، و عرف جزيلَ الثواب، و علِم أن مقابلتَه للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، و لا يزيد العداوة إلا شدةً، و أنّ إحسانَه إليه، ليس بواضعٍ قدرَه، بل مَن تواضع للّه رفعه؛ هانَ عليه الأمر، و فعل ذلك، متلذذًا مستحليًا له. {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا و الآخرة. هذا على الافتراض السابق؛ و هو كون الأم على تلك الدرجة من الشر و المكر، فما دون ذلك من الحالات أولى بأن ينفع فيه مثل ذلكم التعامل. و لا ينبغي أن يُفهم من كلامي أن حَل المشكلة قاصرٌ على الزوجة، و إن كانت تتحمل الجزءَ الأكبر منه لسببين؛ شرعي و منطقي: أما الشرعي فمن وجهين: الأول: أن الأم أكبر منها؛ و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم: "ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا" [رواه أحمد بإسناد حسن]. الثاني: أن حق الأم على ولدها عظيم؛ و أداء هذا الحق من أعظم ما تعينُ الزوجةُ زوجَها عليه.
و أما السبب المنطقي: فهو أن الزوجة هي الطارئة على الأسرة، و تحتاج في تقوية الأواصر بينها و بين أفرادها كالأم و الأخت إلى ما لا يحتاج إليه الآخرون. و إذا كان تحقيقها لذلك مع الزوج يسيرا؛ بما تملِكه من الأسباب الغريزية و العاطفية، و ما تقدمه من الخدمات لأداء حقه الشرعي ..فإن الأمر يختلف مع الأم، فضلا عن غيرها كالأخت و العمة ... فهذا هو السر في كون الزوجة تتحمل الحظ الأكبر من المسؤولية في هذه المسألة الحساسة. و إلا فلا بد للأم من أداء واجبها لتفادي كون العلاقة بينها و بين كنَّتها سلبيةً على الأسرة؛ و سرُّ نجاحها في هذا يرجع في نظري إلى تفطنها إلى أصل الداء، و هو باختصار: الحسد! أجل؛ فإنها تحب ولدها، و تعطيه بدافع ذلك الحب الغاليَ و النفيسَ، و قد جاءت الزوجة لتنافسَها في ذلك الحب، و تشاركَها في ما يحمله الزوج من حب في قلبه، و قد تأخذ منه الزوجة قسطا عظيما، و هذا يُذْكي نارَ الحسد في قلب الأم، فتحرق تلك النارُ حبلَ المودة، بعد أن حزّت فيه عواملُ أخرى؛ كحب المال و الانتفاع المادي؛ حيث أن الأم ترى أنها جاهدت و بذلت و ضحت ليصير ابنُها رجلا قادرا على السعي و النفع، و تريد أن تجنيَ ثمارَ تلك القدرة، و لا تحب أن يشاركَها في ذلك من لم يبذُل ما بذلت و لا قدم ما قدمت .. فإذا فقهت الأم أسباب الخلل، و لاحت لها مواطن الزلل؛ سهُل عليها أن تُحسن السير في هذا الطريق الوعر، و لْتَستعن بما يلي :
1 - وعيُها بأن حُسنَ علاقتها مع كِنَّتها من أسباب سعادة ابنها، و العكسُ بالعكس. 2 - احتسابُ تربيتها لولدها عند الله بأن يكون هدفُها الأولُ و الأساسيُ من تنشئتها و تربيتها لولدها هو ابتغاءُ مرضاة الله و طلبُ الأجر منه فما زاد على ذلك فخير، و ما فات من غيره فَهَيِّن. 3 - أن تستحضر الوعيدَ الواردَ في الحسد؛ كقوله صلى الله عليه و سلم : "إياكم و الحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".
و مما تستعين به أيضا؛ أن تستحضر أن التفريق بين المرء و زوجه مَطلب عظيم للشيطان كما دل على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً؛ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْت" أي: نعمَ ما فعلت أنت [الصحيحة 3261]. فهل ترضى الأم أن تكون خادمةً لمقاصد الشيطان؟!
ولا يَحسبَن الزوج أنه بمعزِل عن المشاركة في هذا المَنحى الإصلاحي؛ و ليعلم أن له دورا لا يُستهان به؛ يحتاج فيه إلى الحزم و الحلم و الحكمة، و قبل ذلك و بعدَه: التوجهُ إلى الله تعالى بالدعاء أن يُؤلف بين قلبَيْ أمه و زوجته، و أن يدفع عنهما كيدَ الشيطان و مكرَه. و ليستحضر قول الله تعالى: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال 63].
| |
|